Page 8 - منصف-الوهايبي
P. 8
وهذا «المفتوح أبدا» هو الك ّل ّي ،ومثل هذا لا يقال ولا يح ّد في
مفهوم .فإذا ما قيل أو ُح ّد فعلى سبيل الافتراض ،ليس إلاّ .ذلك أ ّن
وضع مفهوم ك ّلي لجنس من الأشياء أو نوع ،إ ّنما هو استباق لكينونة
هذه الأشياء ؛ إذ كيف ُت ْؤسر في مفهوم يح ّد ك ّليتها من حيث ك ّليتها
مشروع لا متناه أو هو أبدا قيد الإنجاز ،وقد لا ُيفرغ من إنجازه الب ّتة،
بل المر ّجح أن لا يستكمل مادام ك ّليا!
وعليه ،فإ ّن ما هو موجود فعل ّيا من الأشياء ،إ ّنما يتع ّلق بفرد ّيات لا
بك ّليات؛ وهذه الأخيرة إ ّنما هي حدود يضعها العقل البشر ّي بدافع
ال ّرغبة في إدراك حقائق الأشياء .وإ ّنه ل ِم ّما يثير حفيظتي «الشعر ّية»
قول أحدهم« :ال ّشعر هو ،»...أو قول غيره« :النّثر هو ،»...فهل
َو ِسع عل ُم هذا أو عل ُم ذاك حقيق َة ال ّشع ِر أو حقيقة النّثر ح ّتى يق ّرر
ما هما؟! إ ّن الوقوف على ماهية شيء ما يفترض كون ذلك ال ّشيء
قد اكتمل ب ْع ُد وأتى الوجود على نهايته ،أ ّما وهو يوجد بع ُد ،فضبط
حقيقتــه أو ماهيتــه أو غير هاتين المقولتين من مقولات تنتسب
إلى نفس العائلة المفهوم ّية الكبرى نظير المفهوم والح ّد والجوهر
والهو ّية ...وما إلى ذلك ،إ ّنما هو استباق موهوم.
وتبعا لذلك فإ ّن مفهوما لل ّشعر يزعم الإحاطة بك ّليته في جنس
أو نوع ،إ ّنما هو مفهوم ملتبس في صميمه التباس ال ّتهافت لا التباس
الحيرة الخل ّاقة وال ّدهشة القادحة زناد المعرفة .ذلك أ ّنه يستبق ما
سيقال من قصائد استباقا لا تنهض له أسس موضوع ّية كتلك التي
تسم «ال ّتن ّبؤ» في مجال العلم من جهة كونه إجراء معقودا على
معرفة بمقتضيات العلاقات الحتم ّية التي تحكم ال ّظواهر ال ّطبيع ّية.
هذا على افتراض أ ّن هذا المفهوم قد اهتدى إلى المشترك بين ك ّل
8