Page 13 - منصف-الوهايبي
P. 13
فضائها .وهي مقامنا أ ّنى حللنا ،وهي السفر والرحلة .فالشعر
علاقة مخصوصة بالذات واللغة وهي العرب ّية الأدب ّية .وإذا كانت
القصيدة خطابا تؤ ّديه «ذات» ما ،وجاز القول إ ّنها عند الشاعر
«مغامرة لغو ّية» ،فلا مناص من اعتبارها مغامرة الذات المنشئة
أيضا في لغتها وبلغتها ،إذ يصعب دون ذلك أن نف ّسر كيف تكتسب
القصيدة تف ّردها ،وتبني إيقاعها الخا ّص .غير أ ّن آصرة القربى بين
«ال ّذات» ولغتها ،تقتضي ال ّتمييز بين «ال ّذات» و«شخص ّية ال ّشاعر»،
دون أن يستتبع ذلك الفصل بينهما ك ّل الفصل .والذات تمثل على
أنحاء ع ّدة ،فقد تكون هو ّية ،وقد تكون كيانا تاريخ ّيا أو اجتماع ّيا
أو سيكولوج ّيا أو قانون ّيا .ومهما يكن فلا مناص من وجود علاقة
زمن ّية مكان ّية بين ال ّشاعر ولغته؛ على إقراري بأ ّنها ليست مثبتة قطعا
ولا هي قصد ّية قطعا .وليس ث ّمة كبير خلاف بين المعاصرين في أ ّن
الف ّن لا يناط به تصوير تفاصيل حياة منشئه ودقائق معيشه .والعمل
الفن ّي ليس عنوانا صادقا على أسلوب حياة صاحبه ودخائل نفسه
أو جنسه .ولا أحد بميسوره أن يستنبط منه ،مهما احتشد له؛ ما كان
يدور بخلد المنشئ ،ويضطرب في نفسه ،أو أن يعرف ح ّقا كيف
طفر ال ّشاعر من الشخص ّية ولا كيف نجم الإيقاع من ال ّشاعر .ولا
سبيل إلى اكتناه ك ّل هذا أو بعضه إلاّ بواسطة لغة القصيدة ،فإذا
كانت العرب ّية فهي العرب ّية ،وإذا كانت الفرنس ّية فهي الفرنس ّية؛ وما
عدا ذلك لغو أو تخ ّرص لا ُيعت ّد به علم ّيا .يقول الشاعر البرتغالي
فرنندو باسوا «وطني هو اللغة البرتغال ّية ،ولن يحزنني أن ُيجتاح
البرتغال أو ُيحت ّل ،طالما لم يصبني الأذى شخص ّيا» .ويقول اميل
سيوران وكأ ّنه يع ّقب على باسوا ،أو يشرح قوله« :نحن لا نقيم
بوطن ،إ ّنما نقيم في لغة .والوطن هو هذا وليس شيئا آخر».
13