Page 12 - منصف-الوهايبي
P. 12

‫تص ّورين أنجبتهما الفلسفة الإغريق ّية في القرن الخامس (ق‪.‬م)‪،‬‬
‫أحدهما ير ّجح القول بما هو بال ّطبيعة والآخر ير ّجح القول بما ينتج‬

                           ‫عن الاصطلاح والا ّتفاق بين البشر‪.‬‬

‫وعليه فإ ّن مفهوما ك ّليا لل ّشعر لا يمكن أن يكون تأسيسا‬
‫للخطاب ال ّشعر ّي ما دام ـ كما سلف ال ّذكر‪ ،‬غير سابق على هذا‬
‫الخطاب؛ وإ ّنما هو حكم تأليف ّي بعد ّي لا يعدو أن يكون غير ظ ّل‬
‫لبعض القصائد‪ .‬وشأنه شأن الظ ّل يرسم تقاليب ال ّضوء‪ ،‬ولا يستقر‬
‫ّ على حال‪ ،‬ولا يلبث الب ّتة في المكان نفسه‪ ،‬وإ ّنما هو في تح ّول‬
‫أبدا‪ ،‬بل يغيض في العتمة ك ّلما غابت ال ّشمس وجاء ال ّليل‪ .‬كذلك‬
‫مفهوم ال ّشعر يغيض أحيانا كثيرة في عتمة القصائد‪ .‬وبعبارة أخرى‬
‫هل مفهوم ال ّشعر غير صيرورة ال ّشعر وهو يقول نفسه في «تاريخ‬

   ‫ال ّشعر»‪ ،‬وهذا تاريخ مفتوح أبدا ما دام ال ّشعراء يقولون ال ّشعر‪!.‬‬

‫الشعر ُينسب إلى اللغة وهي العرب ّية الأدب ّية في السياق الذي أنا به‪،‬‬
‫أو لأقل «التدلال» (إنشاء الدلالة) ؛ وهو بحث في متغ ّيرات العلامة‬
‫المكتوبة على أساس من ال ّتمييز بيين الكلمة في ال ّلغة والكلمة في‬
‫الخطاب‪ ،‬والكيف ّية التي تنف ّك الكلمة بها عن المعنى الذي يضعه‬
‫المعجم وي ّرسخه‪ ،‬لت ّتخذ في الخطاب فروقا دقيقة تنقلها من معنى‬

                             ‫مفرد إلى معنى جمع َح ِر ٍك فاعل‪.‬‬
‫و«التدلال» ليس واحدا شأنه شأن الرمز‪ ،‬وإ ّنما ك ّل لسان يجريه‬
‫مجرى مخصوصا‪ .‬والرمز ليس لاحقا على الوجود وإ ّنما يتن ّزل‬
‫في الصميم منه‪ ،‬وهو «بؤرة الأنطولوجيا»‪ .‬ب ْيد أ ّن اللغة‪ ،‬إذ تقول‬
‫وجودنا‪ ،‬فهي تقول وجودها الخا ّص حصرا؛ إذ لا ُهو ّية لنا خارج‬

                                                                             ‫‪12‬‬
   7   8   9   10   11   12   13   14   15   16   17