Page 86 - منصف-الوهايبي
P. 86
إ ْن ِشئت َس ْق َط النّا ِر(((
أجري هذا الكلام الشعر ّي بتفعيلة الكامل تستعمل صحيح ًة
ومتق ّسمة بين آخر ال ّسطر والل ّاحق على سبيل ما ع ّد تدويرا أو
إدما ًجا .واختلا ُف القصيدة عن سابقتها راجع إلى أ ّن المتك ّلم لا
يذكر قريته وإ ّنما يص ّور ما ح ّل به فيها من فقدان الأخ والأخت
ولهذا تو ّجه إلى ال ّريح بالخطاب كي تل ّوح بأقباسه .إ ّن الق َبس في
أصل اللغة هو الشعلة من النار ُتؤ َخذ من معظمها وهو ما ُيح ّصل
من العلم و ُيستفاد به ،ولك ّن محتوى الخطاب يؤ ّشر على الِالتياع
ا ّلذي ح ّركه الفقدا ُن وكأ ّن المتك ّل َم يستثي ُر ذكرى بعيد ًة موجعة
وكأ ّن وجوده في المفترق دليل على نوع من الضياع .ولهذا أراد أن
يستعير من الليل المصابي َح أو س َقط النار لاستعادة توازنه النّفسي
ا ّلذي أضاعه فقدان بعض الأهل الأقربين ولملمة الجراح الذي ظ ّل
غائرا في أعماق الوجدان.
إ ّن استحضا َر الأجواء المم ّيزة لقرية الميلاد والنّشأة يتج ّدد في
هذه القصيدة بذكر «أجراس الينابيع» استعارة لخرير المياه الجارية،
وبذكر الفراشات التي لاذ ْت بأنداء ال ّظلال وإن كانت ال ّذات قد
ع ّبرت عن صعوبة التم ّتع بتلك المشاهد لأ ّن الموت اختطف الأ َخ
والأخت.
واستدعا ُء عالم القرية يو ّلد في ال ّذات جمل ًة من المشاعر
والخواطر وعد ًدا من الحالات النفس ّية المتضاربة .فلئن بدت
الأجواء مشحونة بالألم فإ ّن ما ظ ّل عالقا بوجدان هذا المتك ّلم
يصاغ على هذا النحو:
((( ديوان الوهايبي ،ص .153
86