Page 84 - منصف-الوهايبي
P. 84
وإذا كان الحصان من متع ّلقات هذه البيئة القرو ّية على نحو ما
بدا في قصيدة درويش «أبد الص ّبار»((( ،فإ ّن ن ْص َب أذنيه في ال ّريح
إلما ٌح إلى التح ّفز لقطع المسافات وإلى بلوغ بعيد الأمكنة وهذا م ّما
م ّهد لل ّسؤال عن مرور قطار الفجر رمزا لبالغ ال ّسعي ول َما كان يعب ُر
هذا المكان من أقوام يرتحلون بحثا عن ال ّرزق أو يقومون بالغزوات
أو التن ّقل في عالم ال ّصحراء بكامل الحر ّية.
واستحضا ُر الأمازيغ –وهم من البربر ا ّلذين ع ّمروا كثيرا من
الأراضي ورمزوا إلى حياة الح ّر ّية -له دلالته على ذلك المكان
الأ ّول ا ّلذي عاش فيه الإنسان دون قيود ،وعلى أزمنة البدايات
التي يتوق إليها ال ّشعراء ويصوغون اشتها َءهم لما يعتبرونه لغة بك ًرا
خالص ًة من شوائب الِاستعمال المتك ّرر.
وال ّتوق إلى ال ّطبيعة البكر أيضا يتش ّك ُل في آخر ذلك ال ّشاهد بما
يع ّبر عن ال ّر ّقة والشفاف ّية واللون ال ّزاهي بذكر حرير العشب وحركة
الفراش يحوم حول النباتات وليست سيرة الإنسان بمتخ ّيل المكان
المش ّكل بال ّذاكرة وبالِاسترجاع لبعيد ال ّزمان تمنحنا صورة مرجع ّية
بوفرة الإحالات وكثرة التفاصيل ،وإ ّنما هي لقطا ٌت خاطفة لما ظ ّل
عالقا بالنّفس والوجدان ،زا َده التخ ّي ُل تو ّهجا وتو ّقدا.
وحين سئل الوهايبي عن ال ّسبب ا ّلذي جعله لا يذكر قري َته
باسمها ال ّرائج بين النّاس ويكنّي عنها بمسكلياني أجاب قائلا:
«وكانت طفولتي بهذا ال ّريف ( )...ث ّم بحاجب العيون عام 1955
((( محمود درويش ،لماذا ترك َت الحصان وحيدا ،رياض الر ّيس للكتب
والنشر ،لندن ـ بيروت ـ قبرص ،الطبعة الأولى 1995ومما جاء فيها :لماذا
ترك َت الحصان وحيدا؟ لكي يؤن َس البي َت يا ولدي ،فالبيو ُت تمو ُت إذا غاب
س ّكانها ،ص ص .34-33
84