Page 82 - منصف-الوهايبي
P. 82

‫به الكاتب من شرور المدينة ومن آثامها‪ .‬وأ ّما في القصيدة فإ ّن‬
‫القرية ُتستعاد صورتها ال ّذاهبة في النّسيان بفعل الاحتلال وال ّتدمير‪،‬‬
‫و ُتش ّكل لها لوحا ٌت ومشاه ُد تث ّبتها ال ّذاكر ُة المتو ّقدة في أيقونات‬
‫المكان(((‪ .‬والحقيق ُة أ ّن استعاد َة ذلك الفردوس المفقود يم ّثل نوعا‬
‫من كتاب ِة ال ّسير ِة ال ّذات ّية وتشكيلا لما ظ ّلت ال ّذاكر ُة تحتفظ به من‬

          ‫معيش ويوم ّي داخل ذلك المكان ا ّلذي ُيع ّد فضا ًء بكرا‪.‬‬
‫ترد القصيدة الِافتتاح ّية في «مخطوط تمبكتو» بعنوان‬
‫«مسكلياني» متبو ًعا بتاريخ مضبوط (‪ 1955‬ذات فجر)‪ .‬ولم‬
‫يستخدم الوهايبي الاس َم المألو َف لهذه القرية في مدينة القيروان‬
‫وإ ّنما الاس َم ال ّروماني ا ّلذي كان يطلق عليها قديما واقتران هذا‬
‫المكان بذاك ال ّزمان يؤ ّكد التلازم بينهما وهذا ما أوضحه ميخائيل‬
‫باختين لما و ّجه عنايته لل ّرواية‪ .‬ففي بداية ال ّدراسة الثالثة ق ّدم تعريفه‬
‫للكرونوتوب (‪ )chronotope‬قائلا‪ُ « :‬نس ّمي كرونوتوب ما ُيع ّبر‬
‫عنه حرف ّيا بـ»زمان – فضاء»‪ :‬أي ال ّتعالق الأساسي بين العلاقات‬
‫الفضائ ّية‪-‬ال ّزمان ّية على نح ِو ما َتم ّثله الأدب (‪ )...‬وفي كرونوتوب‬
‫الف ّن الأدبي وقع دم ُج القرائن الفضائ ّية والزمانية في ك ّل قاب ٍل للفهم‬
‫ومحسوس‪ .‬هنا يتك ّثف ال ّزمن ويغدو سميكا‪ .‬في حين يتك ّثف‬

         ‫الفضاء ويغو ُص في حركة ال ّزمان وال ّذات والتاريخ»(((‪.‬‬

‫((( هذا ما نجده في رواية «الف ّلاح» لعبد الرحمن الشرقاوي‪ ،‬وفي رواية «موسم‬
‫الهجرة إلى ال ّشمال» للط ّيب صالح والأمثلة على نشدان عالم القرية كثير ٌة‪.‬‬
‫ونستحضر هنا ما ورد في مجموعة «لماذا تركت الحصان وحيدا» لمحمود‬

  ‫درويش‪ ،‬رياض الريس للكتب والنشر‪ ،‬ط أولى ‪ 1995‬ص ص ‪.40-19‬‬

‫‪(2) Esthétique et théorie du roman, p. 237.‬‬

                                                                             ‫‪82‬‬
   77   78   79   80   81   82   83   84   85   86   87