Page 118 - منصف-الوهايبي
P. 118
***
لنلاحظ أ ّن المكان بالنّسبة إلى القصيدة الحديثة ،وأظ ّن هذا
ينسحب أيضا على قصيدة منصف وإن بتفاوت لأ ّنه يشتغل على
قصيدته ح ّتى وإن لم يكن جالسا إلى مكتبه ،إ ّنما هو ال ّصفحة
التي ليست مج ّرد مساحة .وهذا يو ّفر مكانا ل ّلغة ،للكتابة ،فإذا
بالقصيدة هي الفضاء والأبعاد .ولكنّنا في حقيقة الأمر نسوق
هذه الملاحظة لنن ّوه بحضور إيحائ ّي لعا َلم ال ّرسم في قصائده
«ال ّطوبولوج ّية» .فمنذ بواكير تجربته التي تتغنّى بالأمكنة والمدن
إلى آخر مجاميعه ال ّشعر ّية نعاين قرانا لافتا بين المكان والألوان،
من قصيدته عند أبواب القيروان((( إلى قصيدته نيابوليس [نابل]/
لنذبوشة [لمبدوزا]((( ،قرانا يلوح فيه كما لو أ ّنه لا يكتب قصائده
بقلم الكاتب وإ ّنما بفرشاة ال ّر ّسام .ندرك طبعا أ ّن ال ّصفحة كما
تخرج بعد طباعتها ليست هي عينها ما صاغه ال ّشاعر؛ لكن تشكيلها
من حيث توزيع الأسطر والأبيات هو من عمله .وهو بهذا المعنى
يش ّكل فضاء ال ّصفحة مكانا لل ّتم ّثل .إ ّنها لا محالة حامل ما ّدي يي ّسر
القراءة ،لكن ما يعنينا هو كونها ذات وظيفة إنشائ ّية من حيث هي
مساح ُة تدوي ِن الكتابة .فسواء كانت حجارة ،أو لوحا ،أو قماشة
فإ ّنها تتط ّلب تعاملا مخصوصا ..ولنا أن نستأنس بما يقوله ميشيل
دوغي Michel Deguyمن أ ّن «ال ّشعر ليس وحيدا» ،فهو مش ّكل
«مثل ال ّرسم» .فمكان ال ّشعر يو َجد في ال ّتما ّس بين ال ّرسم وال ّشعر،
وذلك في إحالة إلى ال ّصيغة المنسوبة إلى ال ّشاعر الل ّاتين ّي هوراس
« Horaceكما ال ّرسم ،ال ّشعر» ( .)poesis pictura utوتلاحظ
((( منصف الوهايبي ،من البحر تأتي الجبال ،دار أم ّية ،1991 ،ص.9 .
((( منصف الوهايبي ،بالكأس ما قبل الأخيرة ،مسكلياني ،2019 ،ص.55.
118