Page 113 - منصف-الوهايبي
P. 113

‫ث ّمة إذن‪ ،‬في الوقت نفسه‪ ،‬أثر وكتابة‪ ،‬ولكن ث ّمة ومحو أيضا‬
‫حيث تترافق الذاكرة والنّسيان مثل وجهين لنفس الحركة‪ ،‬لنفس‬
‫الإيقاع ال ّشعر ّي‪ ،‬كما لو أ ّن الأمر يتع ّلق بوجيب القصيدة‪ .‬وهكذا‬
‫يكون المكان الأصل ّي‪ ،‬المكان المرجع ّي عند الانطلاق‪ ،‬مرتعشا‪،‬‬
‫مرتبكا ته ّزه الذكريات‪ ،‬ويكون مغمورا بإحساس قو ّي بالابتعاد‬
‫أو بال ّتلاشي؛ على أ ّن تذ ّكر مكان الماضي ليس ارتدادا‪ ،‬وإ ّنما هو‬

                                 ‫ُمض ّي إلى أفق في المستقبل‪.‬‬
                         ‫***‬
‫ولئن كانت الأماكن تتجاور في ال ّطبيعة‪ ،‬أو في الواقع‪ ،‬جغراف ّيا‪،‬‬
‫فإ ّنها تتواشج في القصيدة وتتبادل في ما بينها لعبة الأسماء حيث‬
‫يتس ّمى المكان باسم غيره‪ ،‬لتشاب ٍه أو لأواص َر محفوظة في ال ّتاريخ‪:‬‬

                                    ‫استوقفني النّاصر باي‬

                                     ‫‪-‬وأنا فوق حماري‪-‬‬

                   ‫في أ ّول يوم يخرج فيه‪ ،‬بعد البيعة للنّاس‪.‬‬
                               ‫صاح‪ :‬كراماتك يا تمبكتي!‬

                     ‫قل ُت‪ :‬رأي ُت لمولاي‪ ،‬أنا وحماري رؤيا‬
                                       ‫إن يأذن أقصصها؟‬

                ‫قال‪ :‬اقصص رؤياك علينا‪ ،‬أو فليقصصها هذا‬

                                       ‫الأبكم يا تمبكتي!‬

              ‫فضحك ُت وقل ُت‪ :‬رأيتك يا مولاي بقصرك هذا‬
                                       ‫المعمور بترشيش‬

 ‫‪113‬‬
   108   109   110   111   112   113   114   115   116   117   118