Page 109 - منصف-الوهايبي
P. 109
هو الذي يبحث عن مكان له ،تماما يقول ميشيل دوغي Michel
،Deguyفي سياق آخر ،فإ ّن القصيدة عود على ولادتها ،وهي
هذا العود الذي يجري لا محالة في الكلام ال ّشعر ّي بوصفه رحلة
مغامرة((( .لكن دون أن يعني ذلك ،طبعا ،ال ّرومنطيق ّية التي ت ّتسم
بها القصائد المعقودة على عاطفة الحنين؛ فال ّشعر كما يب ّين فيليب
جا ّكوت ْي Philippe Jaccottetبما هو استكشاف موصول يم ّثل
تجاوزا للحالة الحنين ّية ح ّتى وإن كان يستحضر الماضي((( .لا
يتع ّلق الأمر ،إذن ،بالحنين بقدر ما يتع ّلق باستكشاف ما فاته أن يتب ّينه
في حينه ،يتع ّلق بخبيئة كانت منذئذ منذورة للكتابة ال ّشعر ّية ولو بعد
حين (بعد عقود):
في مسكلياني بلاد الماء حيث أمو ُت ،لا جنّا َز كان لراحة
الأموا ِت،
(.((()...
إ ّن المكان الأصل ّي هو تقريبا المنفى ،الهامش ،ال ّتنائي .المكان
هو الأطراف وال ّتخوم من ال ّذاكرة .المكان ليس فقط الما ّدة
أو ال ّشكل ،وإ ّنما هو ح ّد للجسد الخا ّص ،فهو ليس تخارجا
(خارجان ّية) عن الذات بل تداخل (داخلان ّية) فيها؛ فال ّشاعر غلاف
المكان ،ث ّمة صلة اشتقاق ّية بين المكان والمكين؛ ح ّتى أ ّن بعضهم
يعتبر أ ّن سؤال الهو ّية «من أكون؟» وسؤال المكان «أين أنا؟» هما
سؤال واحد هو سؤال الكتابة.
(1) Revue Poésie, N°.172
(2) De la poésie, Entretien avec Reynald André Chalard, Arléa,
2005, p. 54.
((( نفسه ،ص.9 .
109