Page 16 - منصف-الوهايبي
P. 16
«مالارميه» وتاريخ الحداثة ،عسى أن يتأ ّكد أ ّن هذا الانطباع خادع،
أو هو من سوء الظن والتقدير.
وإذا كان أهل الضفة الأخرى من المتو ّسط ،وقد صارت آدابهم
وفنونهم أشبه ب «معجز ثان» يتح ّدانا مهما حاول بعضنا أن يدانيه
أو يجاذبه مكانته ،يعيدون طرح سؤال الحداثة أو يعودون له وعليه،
بعد أن استأثر بهم ،موضوع «مابعد الحداثة»؛ فما أحوجنا نحن
إلى تأصيل السؤال في سياقه التاريخي والحضاري؛ وقد عرض
للشعراء المغارب ّيين من ب َدوا ِت الأدب و َحدثانه ما َعرض ،وأخذوا
من اللغات الأجنب ّية بحظ ،وتأ ّدبوا بآدابها؛ سواء أهجر كثير أو قليل
منهم الشعر العربي القديم أم لم يهجروه ،أولم تبق لهم منه سوى
ذكرى نسيان أو وشم ذكرى .والن ّص ـ أ ّي ن ّص ـ إ ّنما ينشأ « ِقرا ِئ ّيا»،
وهو يقرأ خاماته وما يتح ّدر إليه من نصوص وأجناس أخرى.
والمد ّونة الشعر ّية المغارب ّية التي أنضوي إليها ،تحفل بأعمال
استوعبت منجزات الحداثة ،وط ّلقت ثلاثا الاتجاه التعبيري
القائم على التصريح بالمعنى ،في شكله المح ّدد ،وح ّررت العبارة
من علائق المجاورة المتعاودة والتجانس المألوف بين الصفة
والموصوف ،وهدمت المواضعات اللغو ّية القديمة المتواترة حيث
الصورة ظ ّل اللغة وهي تتو ّكأ على متخ ّيل داثر ،وتسترسل إلى نوع
من التد ّفق الوجداني؛ وليست اللغة/الشعر التي لا نقيض لها؛
وأعني تلك التي تقدح المضمر والممكن ،ولا تتأ ّبد في مكرور
الصور والتراكيب؛ حتى لا تنلحق بأشبه لها ونظائر .وبعض الشعر
المغاربي الحديث يشحذ «نشوة الكلام في اللامعنى» ،تلك التي
نستشعرها في الف ّن الحديث المأخوذ بالتجريب وهو ينقلنا من كتابة
16