Page 18 - منصف-الوهايبي
P. 18
الحديثة في الأدب ،ويعزوها إلى موقف ابن المدينة من المدينة
وليس موقف ابن الريف منها.
على أ ّنه لاب ّد من أن نأخذ بالاعتبار أ ّن لك ّل عصر أدب ّي أو فنّي
ملامحه المتم ّيزة بحيث يلوح بناء قائما بنفسه؛ منطلقه عنصر
ما مركز ّي فاعل ،أو جملة تأ ّثرات تتع ّلق بـ»استجابة القارئ»
وما استق ّر في مشاعره ووعيه ،أو بـ»جمال ّية التل ّقي» عا ّمة .ولك ّن
الأعمال الفرد ّية يظ ّل لها شأن ،وبعضها يمكن أن نعتبره نواة العصر
أو مح ّركه .والفارق بين عصر وآخر يكمن في الدرجة التي تظهر
فيها هذه الفرد ّية أو تلك .وهذا العنصر لا يمكن أن ي ِسم عصرا
من العصور إ ّل داخل نظام ما أو بنية ما ،فالرومانطق ّية مثلا أو
الرمز ّية أو التصوير ّية لا تتم ّثل في جماع سماتها ،وإ ّنما في طبيعة
العلاقة بين تلك السمات .وقد تقوى سمة ويكون لها أثر بنيو ّي
في مجمل السمات الأخرى .ولئن كان من الصعب في ح ّيز كهذا
أن أتم ّيز السمات الدقيقة أو الظلال الخف ّية بين أطوار محاولاتي،
منذ البدايات إلى اليوم ،بسبب من تداخل بعضها في بعض؛ فإ ّن ما
يمكن تقريره بشيء من الاطمئنان أ ّنها سعي دؤوب إلى «الكون ّية»
من حيث هي قيمة إنسان ّية تتناسب وثراء الوجود الإنساني أو غناه؛
إذ هي لا تلغي الاختلاف والتع ّدد ،وإ ّنما تسعى إلى إدماجهما في
سياق من التناغم .وهي لا تعني بأ ّية حال العولمة ،على نحو ما
يص ّرفها أهل السياسة وتقن ّيو الاقتصاد العالمي؛ فهده تقوم على
المجانسة والتنميط ومحو تاريخ طويل صرفت فيه الشعوب حياتها
وأفنت مصائرها من أجل إغناء تن ّوعها وتطوير اختلافها ،وخلافها
أيضا.
18