Page 19 - منصف-الوهايبي
P. 19

‫ما قبل كتابي الشعري الأ ّول «ألواح»(‪ )1982‬كنت شاعرا‬
‫«ملتزما»‪ ،‬وج ّل القصائد التي نشرتها منذ أواخر الستينات في‬
‫مج ّلة «الفكر» التونس ّية‪ ،‬وإن لم أجمعها في كتاب مستق ّل؛ تحتفي‬
‫بقضايا الناس والكادحين عا ّمة ومشاغلهم‪ .‬ومنذ الثمانينات سعيت‬
‫إلى أن أكون في الصميم من شعر ّية متن ّوعة تتم ّثل أساسا الفضاء‬
‫المتو ّسطي في صوره الواقع ّية والتاريخية والأسطور ّية‪ .‬وهو فضاؤنا‬
‫نحن المغارب ّيين بامتياز‪ ،‬وقد بدأ البعض يحاول بذرائع من ماض‬
‫استعمار ّي و ّلى‪ ،‬يسعى إلى إبعادنا عنه‪ ،‬ناسيا على أ ّن للجغرافيا‬

                   ‫أحكامها وأ ّنها تصنع التاريخ قبل أن يصنعها‪.‬‬

‫والشعر له من الأريح ّية ما يمنحنا مثل هذا التواصل الحر المبن ّي‬
‫على الإرادة الواعية‪ ...‬التواصل الذي نتع ّلم منه جميعا أن الثقافات‬
‫لا ُتغت َصب ولا يمكن إخضاعها لأي نوع من ال ّتلقيح القسري‪ .‬فقد‬
‫تلاقت في الأندلس ثقافات شتى ذات أصول إسلامية ومسيح ّية‬
‫ويهود ّية‪ ...‬في أفق من «عالم ّية» رحبة قائمة على ال ّتن ّوع‪ ،‬حتى‬
‫أن البعض يجد في الأندلس نواة تاريخ ّية ونموذجا مكتملا لثقافة‬
‫المستقبل وامتدادا للإطار الكون ّي في جذوره الأقدم في فينيقيا‬

                                                  ‫واليونان‬

‫فقد كانت الأندلس ولعلها لا تزال أشبه بكرة باسكال‪ ،‬كرة‬
‫مركزها في ك ّل مكان ومحيطها ليس في أ ّي مكان‪ ...‬صورة لعالم‬
‫رحب‪ ،‬مركزه في ك ّل نقطة على سطح الكرة الأرض ّية‪ ،‬ومحيطه في‬

                                  ‫ك ّل نقطة على هذا ال ّسطح‪.‬‬

‫إ ّن الكون ّية أفق وجود‪ ،‬والعالم ّية استيطان مقنّع في أرض‬
‫الآخر‪ .‬والشعر من حيث هو ف ّن كون ّي مفتوح‪ ،‬ورؤية من رؤى‬

 ‫‪19‬‬
   14   15   16   17   18   19   20   21   22   23   24