Page 23 - منصف-الوهايبي
P. 23

‫إ ّن الوهايبي يرفض ال ّلغة الجاهزة ال ّسابقة على تجربته ويسعى‬
‫إلى ابتكار «لغته» التي تقول تجربته المخصوصة‪ .‬فال ّلغة عنده‬
‫ليست صندوقا يستخرج منه الألفاظ ليضعها علامة على الأشياء‪،‬‬
‫وإ ّنما هي مجلاه‪ ،‬تجربته‪ ،‬أوبعبارة أدونيس «مجده»‪ .‬لك ّن قصيدة‬
‫الوهايبي ليست مج ّرد رسالة تنطوي على رؤى الشاعر الفكرية‬
‫فحسب‪،‬و إنما هي قبل ك ّل شيء خطاب شعري‪ ،‬تش ّدنا دوا ّله إلى‬

         ‫حضورها الذات ّي قبل أن تش ّدنا إلى شيء آخر خارج عنها‬
‫ويع ّد هذا الاحتفاء بالدا ّل ملمحا مه ّما من ملامح شعر ّية‬
‫الحداثة‪ .‬هذه الشعر ّية التي تعتبر الكلمة «الفعل الخل ّاق لل ّروح»(((‬
‫وأ ّن من تمام حر ّيتها أن تنسلخ عن مرجع ّيتها «وتترك لحركاتها‬
‫الخالصة التي تو ّجهها كيف تشاء أن تبعث إيقاعاتها وايحاءاتها»(((‪.‬‬

‫إ ّن تحرير الدا ّل من شأنه أن يستدرج القارئ للإسهام في صوغ‬
‫معاني القصيدة وتأويل رموزها‪ .‬فال ّلغة فيها ليست أداة توصيل‬
‫ش ّفافة أو حياد ّية وإ ّنما هي بمثابة ال ّزجاج الذي تملؤه ال ّصور وتغ ّطيه‬

             ‫الألوان فيش ّد الانتباه إليه بقدر ما يش ّده إلى ما وراءه‪.‬‬

‫في هذا السياق أريد أن أثير قضية الغموض التي يشير إليها‬
‫البعض كلما تحدث عن شعر الوهايبي‪ ..‬ومن أجل التدليل‬

           ‫والتمثيل سأهيب بالشاعر الأنجليزي ت‪/‬س أليوت‪.‬‬

‫كان هذا الشاعر يضيق بالقارئ المتع ّجل الذي لا يتأ ّنى في‬
‫قراءة قصائده‪،‬واستقصاء دلالات رموزها وأقنعتها ح ّتى أ ّنه ص ّرح‬
‫ذات م ّرة ‪« :‬إ ّنني أتعب أكثر من عام ح ّتى أكمل قصيدتي ولا أقبل‬

                   ‫((( عبد الغ ّفار م ّكاوي‪ :‬ثورة الشعر الحديث ص‪211‬‬
                                   ‫((( المرجع السابق‪ ،‬ال ّصفحة نفسها‬

 ‫‪23‬‬
   18   19   20   21   22   23   24   25   26   27   28