Page 24 - منصف-الوهايبي
P. 24
بحال من الأحوال أن يقرأها القارئ وهو في الترام أو القطار..لقد
خ ّصصت عاما من عمري لإبداعها فليخ ّصص ساعتين لفهمها»..
إن قصيدة الوهايبي لا تستسلم ،كك ّل القصائد الحديثة ،إلى
قارئها بيسر وسماحة .فهي تستدعي ،من القارئ ،فسحة من الوقت
من أجل «فهمها» واستيعاب دلالاتها ومعانيها.
إ ّن غموض هذه القصيدة يرت ّد إلى سببين يؤولان إلى سبب
واحد :أ ّولهما خروج هذه القصيدة عن ك ّل ما استت ّب من أعراف
لغو ّية ،وتقاليد شعر ّية مؤ ّسسة بذلك طريقتها المخصوصة في
سياسة اللفظ وإجراء الكلام.
لك ّن غموض القصيدة الحديثة لا يتأ ّتى من طرائق القول فحسب
وإ ّنما يتأ ّتى،أيضا ،من مقول القول .فقصيدة الوهايبي ،كما سنوضح
لاحقا ،قصيدة « مثقفة» ما فتئت تسترفد أسئلتها من وحقول معرف ّية
ش ّتى .وهذا يعني أ ّن الشعر الحديث لم يعد يكتفي باستلهام الشعر
في صياغة خطابه ،كما كانت الحال في الشعر التقليدي ،وإ ّنما
أصبح يستلهم المعرفة الإنسانية ،مطلق المعرفة الإنسان ّية ...الشعر
الحديث ليس نتاج عفو البديهة بقدر ماهو نتاج ك ّد الرو ّية.
فكيف للقراءة المتس ّرعة ،بعد ك ّل هذا ،أن تحيط بدلالات
القصيدة الحديثة وتستكشف آفاقها التعبيرية والرمزية .؟
إن الشعر الحديث ليس انسيابا تلقائ ّيا للمشاعر أو فيض إلهام
لا يخضع لحكم الإرادة وإ ّنما هو جهد ومكابدة ومواجهة لمعضلة
الكلمات تستعصي عليه.
لهذا يدعو أليوت إلى أن تتح ّول القراءة ،من جهتها ،إلى فاعل ّية
إبداع وإنتاج تفضي إلى فتح الن ّص على ممكنات دلالية جديدة ..
24