Page 27 - منصف-الوهايبي
P. 27
من الانفعال بقدر ما ينبجس من الثقافة ،من ال ّذاكرة التاريخ ّية
«فر ّبات الشعر ه َّن بنات الذاكرة»((( .يقول عزرا باوند فإذا احتفى
ال ّشعر بالثقافة يكون قد احتفى بجوهره العميق.
يق ّر أليوت ،في ك ّل آثاره النقد ّية بقيمة ال ّتراث في الكتابة الشعر ّية
بل يجعله مصدر تجربة الشاعر ومعينها الذي لا ينضب .فالأدب،
في نظره ،ينحدر من الأدب لا من الحياة ،والشاعر لا يستلهم الواقع
وإ ّنما يستلهم الشعر ،ونحن لو أنعمنا النّظر في أكثر ال ّشعراء أصالة
لوجدنا «أن خير ما لديه بل إ ّن النّواحي المتف ّردة في نتاجه إ ّنما هي
التي ترك عليها أسلافه الموتى من الشعراء طابع خلودهم بأسطع
الألوان .ولست أعني بذلك نتاجه في دور ال ّصبا حيث المؤ ّثرات
تنطبع في يسر وإنما ما أنشأه في فترة نضجه ال ّتام»(((.
إن الوهايبي ،في نظري ،لم يتو ّصل إلى رؤية نفسه إلاّ من خلال
الآخرين وعبر الآخرين كما لو أ ّن انعكاس ذاته لا يوجد إلا في
هذه المرآة التي تق ّدمها نظرة الآخر(((غير أ ّن ال ّشاعر لن يتم ّكن ،في
رأي أليوت ،من تحقيق الفصل بين إبداعه وعواطفه الذات ّية إلاّ متى
وجد بنية رمز ّية غير شخص ّية وهذه البنية س ّماها «أليوت» «المعادل
الموضوعي» ويتم ّثل في العثور على «مجموعة أشياء ،على موقف،
على سلسلة من الأحداث تكون هي ال ّصيغة التي توضع فيها العاطفة
((( المرجع ال ّسابق ،ص .55
((( ف .أ .ماتيسن :ت .س .أليوت الشاعر الناقد ترجمة إحسان عباس،
المكتبة العصرية صيدا ،بيروت ،1965 ،ص .72
((( فاضل ثامر :القناع الدرامي والشعر ،ص .76
27