Page 28 - منصف-الوهايبي
P. 28
ح ّتى إذا أعطيت الوقائع الخارج ّية التي لاب ّد أن تنتهي خلال التجربة
الحسية استثيرت للت ّو»(((.
الخصيصة الثالثة لهذه الحداثة تتمثل في الحوار الذي عقده مع
المكان
.من الخصائص الجلية التي تجمع بين مختلف دواوينه جمع
تعاطف وانسجام فتنته بالمكان.فمنذ ديوانه الأ ّول شغل المكان
حيزا مه ّما في قصائده بل بات ،في نظرنا ،بمثابة الرحم التي منها
تحدرت هذه القصائد انحدار الوليد من الوالدة.
وحين يعود الشاعر إلى الأمكنة يستنطقها فانه يعود في حقيقة
الأمر إلى أعمق تجارب الإنسان وأكثرها إمعانا في القدم .فالمكان
مثله مثل الماء والنار يمثل أحد العناصر الأولى التي شكلت خيال
الإنسان وصاغت أقدم حدوسه وعواطفه..فهو مأوى الروح وبيت
الجسد ،مستقر الحلم واليقظة ،مهد الأحاسيس السرية والمعلنة...
فالعود إليه ليس عودا إلى الدفء والأمن فحسب وإنما هو عود إلى
الحلم والذاكرة وربما إلى ما هو أقدم من الحلم والذاكرة...
يمثل ديوان من البحر تأتي الجبال منعطفا مهما في طريقة
التعامل مع المكان ،في طرائق تصويره ،وأساليب تشكيله..فقبل
هذا الديوان كان حضور المكان باهتا في قصائد الشاعر ،يتج ّلى
في بعض الصور والرموز،يش ّع في مقطع أو مقطعين ث ّم يختفي
لكن بدءا من في ديوان من البحر تاتي الجبال تح ّول المكان إلى
صورة كل ّية واستعارة كبرى تع ّم كامل القصيدة ور ّبما كامل الديوان.
((( ت .س .أليوت الشاعر النّاقد ،ص .133
28