Page 60 - منصف-الوهايبي
P. 60

‫مح ّددة في المدينة هي أبوابها التي تج ّسد مداخلها ونوافذها‬
‫وأعلامها‪ ،‬فالأبواب حصن من ناحية‪ ،‬وأفق من ناحية ثانية‪ ،‬وهي‬
‫إلى ذلك منافذ الإضاءة إليها‪ ،‬وهذا ما يمكن أن يتب ّدى في القصيد‪،‬‬
‫وفي إهداء القصيدة إلى الفنّان بول كلي‪ .‬ومن مظاهر أثر هذا الفنان‬
‫في الشاعر وفي القصيدة‪ ،‬استعارته عنوان القصيدة من عنوان لوحته‬
‫الراسمة للقيروان «تلك أبواب القيروان» يحاورها ويعيد إنتاجها‪،‬‬
‫إضافة إلى تراسل عناصر الإضاءة وال ّلون وتقاطعها فيها‪ ،‬حتى لكأ ّن‬

                       ‫القصيدة قراءة في اللوحة واستئناف لها‪.‬‬

‫يغلب على الجزء الأ ّول من القصيدة توظيف أسلوب الإنشاء‬
‫أمرا واستفهاما وتع ّجبا‪ ،‬فال ّشاعر ُيسائل الفنّان ال ّتشكيلي بول كلي‬
‫عن س ّر الاهتداء إلى عناصر مم ّيزة للمدينة لع ّل أظهرها ال ّلون‬
‫الأبيض‪ .‬إ ّن حيرة ال ّسؤال تجلو فتنة المدينة وكيف تتج ّلى في‬
‫لوحات بول كلي‪ .‬ولع ّل عبارات «قل ُت ال ّلون‪ ،‬صر ُا ال ّلون‪ ،‬استسلم‬
‫ال ّلون‪ ،‬أغفى في يديك الجمرتين» ((( ُتظهر درجة ال ّتماهي بين‬
‫الفنّان وموضوع الف ّن‪ .‬ومتأ ّمل المقطع الأ ّول يتب ّين توظيفا للمدينة‬
‫الواقع بتسمياتها المألوفة كالباب والأسوار والبساتين‪ ،‬لك ّن كيف ّية‬
‫إخراجها بواسطة الأمر والاستفهام والتع ّجب يج ّرها إلى مدارات‬
‫المجاز وال ّتخييل ويجعلها أكثر أثرا‪ ،‬لاس ّيما أ ّن ال ّشاعر استلهم تقنية‬
‫الف ّن الشكيلي وجعلها بؤرة للخطاب ال ّشعري‪ ،‬هذه ال ّتقنية هي تقنية‬
‫الإضاءة التي أصبغت على الجزء الأ ّول من القصيدة دلالة الوجود‬
‫والحياة والإشراق وهي ال ّدلالة التي لم نألفها في ال ّتجارب الشعر ّية‬
‫الأولى في وصف المدينة‪ ،‬أقصد أغلب تجارب شعراء الستينات‬

‫((( منصف الوهايبي‪ ،‬ديوان منصف الوهايبي‪ ،‬دار محمد علي الحامي للنشر‬
                                    ‫والتوزيع‪ ،‬تونس‪ ،2010 ،‬ص ‪.68‬‬

                                                                             ‫‪60‬‬
   55   56   57   58   59   60   61   62   63   64   65