Page 62 - منصف-الوهايبي
P. 62

‫علامة النقطتين المتتاليتين‪ ،‬ولع ّل دلالة اسم الإشارة في هذا السياق‬
‫مفتوحة على أكثر من تأويل‪ ،‬فقد تد ّل على المسافة بين صورة‬
‫المدينة كما يراها ال ّشاعر وصورة المدينة في ضوء رؤية الآخر‪،‬‬
‫على أ ّن تلازم المدينة والقصيدة موصول بقصيدتين سابقة ولاحقة‪،‬‬
‫يش ّكل رؤية شعر ّية للمكان ولعلاقة الإنسان بالمكان في تم ّثل‬

                                           ‫وجودي جمال ّي‪.‬‬

‫ينبني الجزء الأ ّول من القصيدة على الحيرة وال ّسؤال وتتقاطع‬
‫فيه مدن أخرى كأ ّنها ُمعاد ٌل لمدينة فاس ولطرقها وأفقها ورمزيتها‪.‬‬

       ‫فما الذي يجمع القيروان وتمبكتو وقرطبة مع مدينة فاس؟‬

‫تتش ّتت طرق مدينة فاس فتلتقي في مدن هي وجه آخر لها‪،‬‬
‫فالقيروان أ ّول مدينة إسلام ّية تأ ّسست سنة ‪ 50‬للهجرة‪ ،‬فكانت‬
‫مركزا للفتوحات الإسلام ّية‪ ،‬ولع ّل هذا المعنى يتب ّدى في مطلع‬
‫القصيدة بواسطة ال ّسؤال «أ ّيها كان ُيفضي إلى القيروان»((( فكأ ّن‬
‫ال ّصدى هو ال ّصدى الذي تح ّول من مدينة الواقع إلى مدينة المجاز‪.‬‬

‫يحضر عنصر المكان والزمان في الجزء الثاني من القصيدة‬
‫ليرتبطا بمعنى ال ّرحيل والحركة في علاقة الذات بالمدينة وبالمكان‬
‫الواقعي‪ ،‬فحركة الذات الشاعرة مقترنة بإحالات مكان ّية مرجع ّية‬
‫لمدينة فاس‪ ،‬ولع ّل أه ّم إحالة مرجع ّية هي جامع القرو ّيين برمز ّيته‬
‫وقيمته الحضار ّية‪ .‬وحين نتأ ّمل شعر ّية المكان في المدينة‪ ،‬نتب ّين‬
‫ارتباط جامع القرو ّيين بالذات المت ّلفظة‪ ،‬فكأ ّنه ملاذ ومقصد‪.‬‬
‫والنّاظر في ما يتلو الإشارة إلى جامع القرو ّيين يتب ّين تقاطعا بين‬
‫الحلم والكلام وال ّضوء والجسد‪ ،‬م ّما يجلو صورة تخييل ّية تبني‬

                                   ‫((( ديوان منصف الوهايبي‪ ،‬ص ‪.92‬‬

                                                                             ‫‪62‬‬
   57   58   59   60   61   62   63   64   65   66   67