Page 39 - منصف-الوهايبي
P. 39

‫حيوانه‪...‬وغير ذلك من أشتات رسبت في الذاكرة يستدعيها‬
‫«البدو ّي الكهل» في ما يكتب وقد التبست عليه الوقائع بالأحلام‬
‫واليقين بالخيال‪ .‬أليس هو القائل‪« :‬لع ّل الذاكرة ليست إلاّ المخ ّيلة‬

                      ‫ذاتها» و«الأحلام كالحقائق»(((‪ ،‬والقائل‪:‬‬

                                 ‫ولكنّني كنت ن ّسا َج وهم‬

                                     ‫وينتسج الوهم لي(((‬
‫وم ّما يضفي مزيدا من الغموض على ن ّص الوهايبي أ ّن ِك َسر‬
‫ذاكرته الفرد ّية ترد ملتبسة بذاكرته الثقاف ّية‪ .‬فهو شاعر تطريس‬
‫يعي ج ّيدا أ ّنه «يكتب على ورق فيه أثر كتابة أخرى»(((‪ ،‬وهي كتابة‬
‫تراوح بين الن ّص القرآني والخطاب الصوفي والموروث الأدبي‬
‫نثره وشعره دون أن نذهل عن محاورته الموصولة لمعاصريه من‬

                                          ‫الك ّتاب والشعراء‪.‬‬

‫عند هذا الح ّد يجدر بنا أن نشير إلى أ ّنه حين باشر الوهايبي نشر‬
‫أشعاره كان قد مضى عقدان من الزمن على انبثاق الموقف الجمالي‬
‫الذي ينتصر للاشتغال بالدوا ّل ويتبنّى مفهوم اللغة اللازمة‪ .‬وخلال‬
‫هذين العقدين أفرزت الشعر ّية العرب ّية ا ّتجاها جمال ّيا آخر يراهن‬
‫على الخيال ويستثمر التخييل السرد ّي‪ .‬والنزوع إلى تسريد الشعر‬
‫ليس غريبا عن بدايات الشعر الح ّر‪ .‬إذ اقتضت الرؤية الشعر ّية التي‬
‫تدعو إلى محاكاة الواقع وتصوير المجتمع استدعاء أنماط الخطاب‬
‫التي تقوم على التمثيل مثل السرد والوصف‪ .‬ولن يؤ ّدي المنعرج‬

    ‫((( انظر ن ّص الوهايبي النثري السيري «مدينة تشبهني‪ ،‬م‪ .‬ن‪ ،.‬ص‪371.‬‬
      ‫((( في منزل الشابي‪ ،‬من البحر تأتي الجبال‪ ،‬ديوان الوهايبي‪ ،‬ص‪87 .‬‬

          ‫((( مدينة تشبهني‪ ،‬فهرست الحيوان‪ ،‬ديوان الوهايبي‪ ،‬ص‪372 .‬‬

 ‫‪39‬‬
   34   35   36   37   38   39   40   41   42   43   44